الثلاثاء، أكتوبر 04، 2011

ذاكرة قيد الغرق


كنت أقف على شاطيء البحر .. على تلك المساحة المبللة من الرمال ..

أخذت أمعن النظر في تلك القدرة الخارقة للأمواج على التغيير .. كلما تهافتت الأمواج تلامس قدمي .. كلما انسحبت معلنةً بقوة و ضراوة عن منطقها في تغيير ذاكرة الرمال .. منطقها في تسيير تلك الحبيبات الذهبية ما بين الفوضى و الانتظام .. مابين القبح و الجمال ..

فجأة يخطر ببالي أمر .. كيف لم ألتفت لتلك القدرة الخارقة للأمواج من قبل ؟! ..

هل هو خاضع في الواقع للتجريب ؟..

في سبيل الإثبات .. المحاولة هي الحل الوحيد ..

هرولت عائدةً إلى المنزل .. لملمت من الهوى تلك اللحظات .. أقساها و أرفقها .. أبسطها و أعمقها .. تلك اللحظات الباسمة و الدامعات ..

جمعت ابتساماتي .. أعتاها و أكثرها عهراً و الأكثر براءةً و طهراً .. أصدقها و أكذبها ..

حزمت دمعاتي .. أحكمت قيد آهاتي و سكراتي .. نبشت قبور قلبي الجماعية .. أخرجت جثث موتاي و حاجياتي .. رفاة واريتها على مدار السنين .. وضعتهن جميعاً في ذاكرة ماعادت بالإمكان .. سارعت إلى الشاطيء مستنجدةً بالقدرة السحرية للأمواج على تغيير الأحوال ..

ألقيت بهن جميعاً .. تلقفتهن الأمواج كما تتقاتل على الفريسة الأسود .. ذاكرة بأكملها قيد الغرق ..

وقفت أشاهد ملامحي تختفي .. أيقنت حينها أنه يمكن أحياناً لكتاب حياتنا كاملاً أن ينمحي ..

المؤلم في الأمر .. أن التجريب لا يخضع للقوانين كما هو الحال في الفيزياء أو الكيمياء .. إذن في التجريب ليس هناك ضوابط أو مسلمات ..

في الحياة يحتوي التجريب على قدر عالي من المخاطرة و قدر أعلى من احتمال تحول نجاح تجربتك إلى أعتى الخيبات..

حينها انتابني شعور مؤقت و أخيراً بالارتياح من ذاكرة الأشياء .. و لكن كان للتجربة نتيجة أوقع .. مفردة جديدة "الخواء" ..

من المثير للسخرية أننا أحياناً نتخلص من أشيائنا بغية إفساح المجال لأنفسنا قليلاً لتنفس الصعداء و إذ بنا نفسح المجال لحضور أقوى .. مقبرة أكبر .. غربة أصدق .. فاجعة أعمق بالخواء ..

و تعزيزاً لقهقهات السخرية فإن أقوى البكاء هو ذاك الذي يأتي من فرط الضحك حيث نعود لنفس نقطة الإنطلاق .. فجائعنا .. خسائرنا .. خردوات قلوبنا .. ذكرياتنا .. أماكنَّا .. جل حصيلة تجاربنا لا مبرر لها سوى أنها أقدار الله .. و مرة أخرى تعلمنا الحياة درساً لا ينسى بالآلآم .. أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان .. و أن كل شيء يحدث بقدر و لحكمة لا يعلمها إلاه و كنتيجة حتمية لا يمكن أن يحيا الإنسان دون ماضٍ أو أحلام ..

تحياتي

رانيا حمدي

3/10/2011

7:45 صباحاً