الأحد، أغسطس 21، 2011

مدن تسكنّا


لم أكن أعلم بأن سر تعلقنا بأغنية أو بلحن أو بلوحة فنية أو حتى بفصل من فصول السنة لا يتعدى سوى تعلقنا بأنفسنا .. فما الأغنية أو اللحن أو اللوحة أو الفصل سوى لقطة ماستر سين من فيلمنا الأكبر بسينما الحياة .. فأنا مثلاً أعشق أغنية "علي الحجار" "لما الشتا يدق البيبان" لأنها تذكرني بشقتنا القديمة و ذاك الحي الشعبي المزدحم .. الممتليء بالبشر .. ذاك الحي الذي يظل يسكنك ببيوته المتقاربة و أناسه البسطاء الطيبين على نزعتهم الواضحة للتطفل الظريف خاصة بشهر رمضان ..أو عشقي لكوبليه من أغنية "سواح" للراحل الأسمر "عبد الحليم حافظ" عندما يشدو " لا أنا عارف ارتاح ولا تايه سواح" أو عندما يعلو صوته بغنج جميل " يا ظنوني آه يا ظنوني ماتسيبوني مش ناقص أنا حيرة عليه" تلك الأغنية تذكرني بأيام الإعدادية و المذاكرة أمام شرفتي

و ذاك الهواء الطلق الذي لم أشهد مثيله حتى الآن أو هكذا خلدته في ذاكرتي .. كم كان ذلك يذكرني بمشارف فصل الصيف .. بتلك الرائحة الخفية للحب و التي لا تعني بالضرورة مؤشر لقدومه .. تلك الرائحة التي لم أعرف يوماً مصدرها .. لم أعرف عنها سوى أنها دوماً كانت بطاقة تعريف يشهرها لحواسي الصيف ..

أغان و ألحان .. لوحات و ألوان .. بتنا مدن تسكن مدن .. بتنا مدن بحد ذاتنا .. مدن لها ضجيجها الخاص و ذاكرتها الخاصة .. مدن لها مقاهيها الفارغة الممتلئة .. لها تراثها الخاص من الأغنيات الرثينة و أحياناً الهشة.. مدن لها تفاصيلها التاريخية الخاصة لها تعرجات تميز جسدها .. لها خارطة لا تشبه أبداً مدن أخرى .. مدن تحمل في طياتها مجدها و مواقع سقطتها ..

بت أنا مدينتي الخاصة .. عندما تهطل على نفسي الأمطار تراني أمكث في ذاك الركن البعيد في صمت الليل .. تسمع صوت خافت للجرامافون و أسطوانة تحمل صوت علي الحجار يرثو حبه برائعته "لما الشتا يدق البيبان" .. عندما يهل صيفي تستشعر بنفسك حميم الصيف و براكينه .. برقصة بمرحه .. بعشقه بعنفوانه في صوت ماجدة الرومي بغنج تتغنى "عيناك ليال صيفية " ..

عندما أتوحد .. انكسر .. اتألم تسمع صوت حنان ماضي في "ليلة عشق" .. ليلة عشق تحمل برين .. أكون أنا على أحدهما و على الآخر تكون ظلالي في مدينة دوماً تسكنها الحياة .. كثيراً ما يحدق بها الموت .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تحياتي

رانيا حمدي

10/6/2011

5:85 مساءاً

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق